Ibn Khaldoun - إبن خلدون
Al Muqaddima Part 210 : الفصل 49 في تعليم اللسان المضري
الفصل التاسع و الأربعون في تعليم اللسان المضري اعلم أن ملكة اللسان المضري لهذا العهد قد ذهبت و فسدت و لغة أهل الجيل كلهم مغايرة للغة مضر التي نزل بها القرآن و إنما هي لغة أخرى من امتزاح العجمة بها كما قدمناه. إلا أن اللغات لما كانت ملكات كما مر كان تعلمها ممكنا شأن سائر الملكات. و وجه التعليم لمن يبتغي هذه الملكة و يروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلامهم القديم الجاري على أساليبهم من القرآن و الحديث و كلام السلف و مخاطبات فحول العرب في أسجاعهم و أشعارهم و كلمات المولدين أيضا في سائر فنونهم حتى يتنزل لكثرة حفظه لكلامهم من المنظوم و المنثور منزلة من نشأ بينهم و لقن العبارة عن المقاصد منهم. ثم يتصرف بعد ذلك في التعبير عما في ضميره على حساب عباراتهم و تأليف كلماتهم و ما وعاه و حفظه من أساليبهم و ترتيب ألفاظهم فتحثل له هذه الملكة بهذا الحفظ و الاستعمال و يزداد بكثرتهما رسوخا و قوة و يحتاج مع ذلك إلى سلامة الطبع و التفهم الحسن لمنازع العرب و أسليبهم في التراكيب و مراعاة التطبيق بينهما و بين مقتضيات الأحوال. و الذوق يشهد بذلك و هو ينشأ ما بين هذه الملكة و الطبع السليم فيهما كما نذكر. و على قدر المحفوظ و كثرة الاستعمال تكون جودة المقول المصنوع نظما و نثرا، و من حصل على هذه الملكات فقد حصل على لغة مضر و هو الناقد البصير بالبلاغة فيها و هكذا ينبغي أن يكون تعلمها. و الله يهدي من يشاء بفضله و كرمه.