Ibn Khaldoun - إبن خلدون
Al Muqaddima Part 188 : الفصل 28 في علوم السحر و الطلسمات
الفصل الثامن و العشرون في علوم السحر و الطلسمات و هي علوم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر إما بغير معين أو بمعين من الأمور السماوية و الأول هو السحر و الثاني هو الطلسمات و لما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لما فيها من الضرر و لما يشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أو غيره كانت كتبها كالمفقودة بين الناس. إلا ما وجد في كتب الأمم الأقدمين فيما قبل نبؤة موسى عليه السلام مثل النبط و الكلدانيين فإن جميع من تقدمه من الأنبياء لم يشرعوا الشرائع و لا جاءوا بالأحكام إنما كانت كتبهم مواعظ و توحيدا لله و تذكيرا بالجنة والنار و كانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانيين و الكلدانيين و في أهل مصر من القبط و غيرهم. و كان لهم فيها التآليف و الآثار و لم يترجم لنا من كتبهم فيها إلا القليل مثل الفلاحة النبطية من أوضاع أهل بابل فأخذ الناس منها هذا العلم و تفننوا فيه و وضعت بعد ذلك الأوضاع مثل مصاحف الكواكب السبعة و كتاب طمطم الهندي في صور الدرج و الكواكب و غيرها. ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة فتصفح كتب القوم و استخرج الصناعة و غاص في زبدتها و استخرجها و وضع فيها غيرها من التآليف و أكثر الكلام فيها و في صناعة السيمياء لأنها من توابعها لأن إحالة الأجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما يكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية فهو من قبيل السحر كما نذكره في موضعه. ثم جاء مسلمة بن أحمد المجريطي إمام أهل الأندلس في التعاليم والسحريات فلخص جميع تلك الكتب و هذبها و جمع طرقها في كتابه الذي سماه غاية الحكيم و لم يكتب أحد في هذا العلم بعده. و لتقدم هنا مقدمة يتبين بها حقيقة السحر و ذلك أن النفوس البشرية و إن كانت واحدة بالنوع فهي مختلفة بالخواص و هي أصناف كل صنف مختص بخاصية واحدة بالنوع لا توجد في الصنف الآخر. و صارت تلك الخواص فطرة و جبلة لصنفها فنفوس الأنبياء عليهم الصلاة و السلام لها خاصية تستعد بها للانسلاخ من الروحانية البشرية إلى الروحانية الملكية حتى يصير ملكا في تلك اللمحة التي انسلخت فيها، و هذا هو معنى الوحي كما مر في موضعه، و هي في تلك الحالة محصلة للمعرفة الربانية و مخاطبة الملائكة عليهم السلام عن الله سبحانه و تعالى كما مر. و ما يتسع في ذلك من التأثير في الأكوان و نفوس السحرة لها خاصة التأثير في الأكوان و استجلاب روحانية الكواكب للتصرف فيها و التأثير بقوة نفسانية أو شيطانية. فأما تأثير الأنبياء فمدد إلهي و خاصية ربانية و نفوس الكهنة لها خاصية الاطلاع على المغيبات بقوى شيطانية. و هكذا كل صنف مختص بخاصية لا توجد في الآخر. و النفوس الساحرة على مراتب ثلاث يأتي شرحها فأولها المؤثرة بالهمة فقط من غير آلة و لا معين و هذا هو الذي تسميه الفلاسفة السحر و الثاني بمعين من مزاج الأفلاك أو العناصر أو خواص الأعداد و يسمونه الطلسمات و هو أضعف رتبة من الأول و الثالث تأثير في القوى المتخيلة. يعمد صاحب هذا التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف و يلقي فيها أنواعا من الخيالات و المحاكاة و صورا مما يقصده من ذلك ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه فينظر الراؤن كأنها في الخارج و ليس هناك شيء من ذلك، كما يحكى عن بعضهم أنه يري البساتين و الأنهار و القصور و ليس هناك شيء من ذلك ويسمى هذا عند الفلاسفة الشعوذة أو الشعبذة. هذا تفصيل مراتبه ثم هذه الخاصية تكون في الساحر بالقوة شأن القوى البشرية كلها و إنما تخرج إلى الفعل بالرياضة و رياضة السحر كلها إنما تكون بالتوجه إلى الأفلاك و الكواكب و العوالم العلوية والشياطين بأنواع التعظيم و العبادة و الخضوع و التذلل فهي لذلك وجهة إلى غير الله و سجود له. و الوجهة إلى غير الله كفر فلهذا كان السحر كفرا و الكفر من مواده و أسبابه كما رأيت. و لهذا اختلف الفقهاء في قتل الساحر هل هو لكفره السابق على فعله أو لتصرفه بالإفساد و ما ينشأ عنه من الفساد في الأكوان و الكل حاصل منه. و لما كانت المرتبتان الأوليان من السحر لها حقيقة في الخارج و المرتبة الأخيرة الثالثة لا حقيقة لها اختلف العلماء في السحر هل هو حقيقة أو إنما هو تخييل فالقائلون بأن له حقيقة نظروا إلى المرتبتين الأوليين و القائلون بأن لا حقيقة له نظروا إلى المرتبة الثالثة الأخيرة. فليس بينهم اختلاف في نفس الأمر بل إنما جاء من قبل اشتباه هذه المراتب و الله أعلم. و اعلم أن وجود السحر لا مرية فيه بين العقلاء من أجل التأثير الذي ذكرناه و قد نطق به القرآن. قال الله تعالى:” و لكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر و ما أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت و ما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله". و سحر رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كان يخيل إليه أنة يفعله و جعل سحره في مشط و مشاقة و جف طلعة و دفن في بئر ذروان فأنزل الله عز و جل عليه في المعوذتين: "و من شر النفاثات في العقد" قالت عائشة رضي الله عنها: كان لا يقرأ على عقدة من تلك العقد التي سحر فيها إلا انحلت. و أما وجود السحر في أهل بابل و هم الكلدانيون من النبط و السريانيين فكثير و نطق به القرآن و جاءت به الأخبار و كان للسحر في بابل و مصر أزمان بعثة موسى عليه السلام أسواق نافقة. و لهذا كانت معجزة موسى من جنس ما يدعون و يتاناغون فيه و بقي من آثار ذلك في البراري بصعيد مصر شواهد دالة على ذلك و رأينا بالعيان من يصور صورة الشخص المسحور بخواص أشياء مقابلة لما نواه و حاوله موجودة بالمسحور و أمثال تلك المعاني من أسماء و صفات في التأليف و التفريق. ثم يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور عينا أو معنى ثم ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكرير مخارج تلك الحروف من الكلام السوء و يعقد على ذلك المعنى في سبب أعده لذلك تفاؤلا بالعقد و اللزام و أخذ العهد على من أشرك به من الجن في نفثه في فعله ذلك استشعارا للعزيمة بالعزم. و لتلك البنية و الأسماء السيئة روح خبيثة تخرج منه مع النفخ متعلقة يريقه الخارج من فيه بالنفث فتنزل عنها أرواح خبيثة و يقع عن ذلك بالمسحور ما يحاوله الساحر. و شاهدنا أيضا من المنتحلين للسحر و عمله من يشير إلى كساء أو جلد و يتكلم عليه في سره فإذا هو مقطوع متخرق. و يشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيها بالبعج فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الأرض. و سمعنا أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه و يقع ميتا و ينقلب عن قلبه فلا يوجد في حشاه و يشير إلى الرمانة و تفتح فلا يوجد من حبوبها شيء. و كذلك سمعنا أن بأرض السودان و أرض الترك من يسحر السحاب فيمطر الأرض المخصوصة. و كذلك رأينا من عمل الطلسمات عجائب في الأعداد المتحابة و هي ر ك ر ف د أحد العددين مائتان و عشرون و الآخر مائتان و أربعة و ثمانون و معنى المتحابة أن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف و ثلث و ربع و سدس و خمس و أمثالها إذا جمع كان متساويا للعدد الآخر صاحبه فتسمى لأجل ذلك المتحابة. و نقل أصحاب الطلسمات أن لتلك الأعداد أثرا في الإلفة بين المتحابين و اجتماعهما إذا وضع لهما مثالان أحدهما بطالع الزهرة و هي في بيتها أو شرفها ناظرة إلى القمر نظر مودة و قبول و يجعل طالع الثاني سابع الأول و يضع على أحد التمثالين أحد العددين و الآخر على الآخر. و يقصد بالأكثر الذي يراد ائتلافه أعني المحبوب ما أدري الأكثر كمية أو الأكثر أجزاء فيكون لذلك من التألف العظيم بين المتحابين مالا يكاد ينفك أحدهما عن الآخر. قاله صاحب الغاية و غيره من أئمة هذا الشأن و شهدت له التجربة. و كذا طابع الأسد و يسمى أيضا طابع الحصى و هو أن يرسم في قالب هند إصبع صورة أسد سائلا ذنبه عاضا على حصاة قد قسمها بنصفين و بين يديه صورة حية منسابة من رجليه إلى قبالة وجهه فاغرة فاها فيه و على ظهره صورة عقرب تدب. و يتحين برسمه حلول الشمس بالوجه الأول أو الثالث من الأسد بشرط صلاح النيرين و سلامتهما من النحوس. فإذا وجد ذلك و عثر عليه طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من الذهب و غمس بعد في الزعفران محلولا بماء الورد و رفع في خرقة حرير صفراء فإنهم يزعمون أن لممسكه من العز على السلاطين في مباشرتهم و خدمتهم و تسخيرهم له مالا يعبر عنه. و كذلك للسلاطين فيه من القوة و العز على من تحت أيديهم. ذكر ذلك أيضا أهل هذا الشأن في الغاية و غيرها و شهدت له التجربة. و كذلك وفق المسدس المختص بالشمس ذكروا أنه. يوضع عند حلول الشمس في شرفها و سلامتها من النحوس و سلامة القمر بطالع ملوكي يعتبر فيه نظر صاحب العاشر لصاحب الطالع نظر مودة و قبول و يصلح فيه ما يكون من مواليد الملوك من الأدلة الشريفة و يرفع في خرقة حرير صفراء بعد أن يغمس في الطيب. فزعموا أن له أثرا في صحابة الملوك و خدمتهم و معاشرتهم. و أمثال ذلك كثير. و كتاب الغاية لمسلمة بن أحمد المجريطي هو مدونة هذه الصناعة و فيه استيفاؤها و كمال مسائلها و ذكر لنا أن الإمام الفخر بن الخطيب وضع كتابا في ذلك و سماه بالسر المكتوم و أنه بالمشرق يتداوله أهله و نحن لم نقف عليه. و الإمام لم يكن من أئمة هذا الشأن فيما نظن و لعل الأمر بخلاف ذلك. و بالمغرب صنف من هؤلاء المنتحلين لهذه الأعمال السحرية يعرفون بالبعاجين و هم الذين ذكرت أولا أنهم يشيرون إلى الكساء أو الجلد فيتخرق و يشيرون إلى بطون الغنم بالبعج فتنبعج. و يسمى أحدهم لهذا العهد باسم البعاج لأن أكثر ما ينتحل من السحر بعج الأنعام يرهب بذلك أهلها ليعطوه من فضلها و هم مستترون بذلك في الغاية خوفا على أنفسهم من الحكام، لقيت منهم جماعة و شاهدت من أفعالهم هذه بذلك و أخبروني أن لهم وجهة و رياضة خاصة بدعوات كفرية و إشراك لروحانيات الجن و الكواكب، شطرت فيها صحيفة عندهم تسمى الخزيرية يتدارسونها و أنهم بهذه الرياضة و الوجهة يصلون إلى حصول هذه الأفعال لهم و أن التأثير الذي لهم إنما هو فيما سوى الإنسان الحر من المتاع و الحيوان و الرفيق و يعبرون عن ذلك يقولهم إنما نفعل فيما تمشي فيه الدراهم أي ما يملك و يباع و يشترى من سائر المتملكات هذا ما زعموه. و سألت بعضهم فأخبرني به و أما أفعالهم فظاهرة موجودة وقفنا على الكثير منها و عاينتها من غير ريبة في ذلك. هذا شأن السحر والطلسمات و أثارهما في العالم فأما الفلاسفة ففرقوا بين السحر و الطلسمات بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفس الإنسانية و استدلوا على وجود الأثر للنفس الإنسانية بأن لها آثارا في بدنها على غير المجرى الطبيعي و أسبابه الجسمانية بل آثار عارضة من كيفيات الأرواح تارة كالسخونة الحادثة عن الفرح و السرور و من جهة التصورات النفسانية أخرى كالذي يقع من قبل التوهم. فإن الماشي على حرف حائط أو حبل منتصب إذا قوي عنده توهم السقوط سقط بلا شك. و لهذا تجد كثيرا من الناس يعودون أنفسهم ذلك بالدربة عليه حتى يذهب عنهم هذا الوهم فتجدهم يمشون على حرف الحائط و الحبل المنتصب و لا يخافون السقوط. فثبت أن ذلك من آثار النفس الإنسانية و تصورها للسقوط من أجل الوهم. و إذا كان ذلك أثرا للنفس في بدنها من غير الأسباب الجسمانية الطبيعية فجائز أن يكون لها مثل هذا الأثر في غير بدنها إذ نسبتها إلى الأبدان في ذلك النوع من التأثير واحدة لأنها غير حالة في البدن و لا منطبعة فيه فثبت أنها مؤثرة في سائر الأجسام. و أما التفرقة عندهم بين السحر و الطلسمات فهو أن السحر لا يحتاج الساحر فيه إلى معين و صاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب و أسرار الأعداد و خواص الموجودات و أوضاع الفلك المؤثرة في عالم العناصر كما يقول المنجمون و يقولون: السحر اتحاد روح بروح و الطلسم اتحاد روح يجسم و معناه عندهم ربط الطبائع العلوية السماوية بالطبائع السفلية، و الطبائع العلوية هي روحانيات الكواكب و لذلك يستعين صاحبه في غالب الأمر بالنجامة. و الساحر عندهم غير مكتسب لسحره بل هو مفطور عندهم على تلك الجبلة المختصة بذلك النوع من التأثير. و الفرق عندهم بين المعجزة و السحر أن المعجزة قوة إلهية تبعث على النفس ذلك التأثير فهو مؤيد بروح الله على فعله ذلك. و الساحر إنما يفعل ذلك من لدن نفسه و بقوته النفسانية و بإمداد الشياطين في بعض الأحوال فبينهما الفرق في المعقولية و الحقيقة و الذات في نفس الأمر و إنما نستدل نحن على التفرقة بالعلامات الظاهرة و هي وجود المعجزة لصاحب الخير و في مقاصد الخير و للنفوس المتمحصة للخير و التحدي بها على دعوى النبؤة. و السحر إنما يوجد لصاحب الشر و في أفعال الشر في الغالب من التفريق بين الزوجين و ضرر الأعداء و أمثال ذلك. و للنفوس المتمحصة للشر. هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الإلهيين: و قد يوجد لبعض المتصوفة و أصحاب الكرامات تأثير أيضا في أحوال العالم و ليس معدودا من جنس السحر و إنما هو بالإمداد الإلهي لأن طريقتهم و نحلتهم من آثار النبؤة و توابعها و لهم في المدد، الإلهي حفظ على قدر حالهم و إيمانهم و تمسكهم بكلمة الله و إذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر لا يأتيها لأنة متقيد فيما يأتيه بذرة للأمر الإلهي. فما لا يقع لهم فيه الإذن لا يأتونه بوجه و من أتاه منهم فقد عدل عن طريق الحق و ربما سلب حاله. و لما كانت المعجزة بإمداد روح الله و القوى الإلهية فلذلك لا يعارضها شيء من السحر. و انظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا به يأفكون و ذهب سحرهم و اضمحل كأن لم يكن. و كذلك لما أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم في المعوذتين و من شر النفاثات في العقد. قالت عائشة رضي الله عنها: فكان لا يقرأها على عقد في من العقد التي سحر فيها إلا انحلت. فالسحر لا يثبت مع اسم الله و ذكره بالهمة الإيمانية و قد نقل المؤرخون أن زركش كاويان و هي راية كسرى كان فيها الوفق المئيني العددي منسوجا بالذهب في أوضاع فلكية رصدت لذلك الوفق. و وجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية واقعة على الأرض بعد انهزام أهل فارس و شتاتهم. و هو فيما يزعم أهل الطلسمات و الأوفاق مخصوص بالغلب في الحروب و أن الراية التي يكون فيها أو معها لا تنهزم أصلا. إلا أن هذه عارضها المدد الإلهي من إيمان أصحاب رسول الله صلى الله علية و سلم و تمسكهم بكلمة الله فانحل معها كل عقد سحري و لم يثبت و يطل ما كانوا يعملون. و أما الشريعة فلم تفرق بين السحر و الطلسمات و جعلته كله بابا واحدا محظورا. لأن الأفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنا في ديننا الذي فيه صلاح آخرتنا أو في معاشنا الذي فيه صلاح دنيانا و ما لا يهمنا في شيء منهما فإن كان فيه ضرر أو نوع ضرر كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع و يلحق به الطلسمات لأن أثرهما واحد و كالنجامة التي فيها نوع ضرر باعتقاد التأثير فتفسد العقيدة الإيمانية برد الأمور إلى غير الله فيكون حينئذ ذلك الفعل محظورا على نسبته في الضرر. و إن لم يكن مهما علينا و لا فيه ضرر فلا أقل من تركه قربة إلى الله فإن من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه. فجعلت الشريعة باب السحر والطلسمات و الشعوذة بابا واحدا لما فيها من الضرر و خصته بالحظر و التحريم. و أما الفرق عندهم بين المعجزة و السحر فالذي ذكره المتكلمون أنة راجع إلى التحدي و هو دعوى وقوعها على وفق ما ادعاه. قالوا: و الساحر مصروف عن مثل هذا التحدي فلا يقع منه. و وقوع المعجزة على وفق دعوى الكاذب غير مقدور لأن دلالة المعجزة على الصدق عقلية لأن صفة نفسها التصديق فلو وقعت مع الكذب لاستحال الصادق كاذبا و هو محال فإذا لا تقع المعجزة مع الكاذب بإطلاق. و أما الحكماء فالفرق بينهما عندهم كما ذكرناه فرق ما بين الخير و الشر في نهاية الطرفين. فالساحر لا يصدر منه الخير و لا يستعمل في أسباب الخير و صاحب المعجزة لا يصدر منه الشر و لا يستعمل في أسباب الشر و كأنهما على طرفي النقيض في أصل فطرتهما. و الله يهدي من يشاء و هو القوي العزيز لا رب سواه و من قبيل هذه التأثيرات النفسية الإصابة بالعين و هو تأثير من نفس المعيان عندما يستحسن بعينه مدركا من الذوات أو الأحوال و يفرط في استحسانه و ينشأ عن ذلك الاستحسان حسد يروم معه سلب ذلك الشيء عمن اتصف به فيؤثر فساده. و هو جبلة فطرية أعني هذه الإصابة بالعين. و الفرق بينها و بين التأثيرات النفسانية أن صدورة فطري جبلي لا يتخلف و لا يرجع اختيار صاحبه و لا يكتسبه. و سائر التأثيرات و إن كان منها مالا يكتسب فصدورها راجع إلى اختيار فاعلها و الفطري منها قوة صدورها و لهذا قالوا: القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل و القاتل بالعين لا يقتل. و ما ذلك إلا أنه ليس مما يريده و يقصده أو يتركه و إنما هو مجبور في صدوره عنه. و الله أعلم بما في الغيوب و مطلع على ما في السرائر.