Ibn Khaldoun - إبن خلدون
Al Muqaddima Part 78: الفصل 29 في معنى البيعة
الفصل التاسع و العشرون في معنى البيعة إعلم أن البيعة هي العهد على الطاعة كأن المبايع يعاهد أميره على أنه يسلم له النظر في أمر نفسه و أمور المسلمين لا ينازعه في شيء من ذلك و يطيعه فيما يكلفه به من الأمر على المنشط و المكره و كانوا إذا بايعوا الأمير و عقدوا عهده جعلوا أيديهم في يديه تأكيداً للعهد فأشبه ذلك فعل البائع و المشتري فسمي بيعةً مصدر باع و صارت البيعة مصافحةً بالأيدي هذا مدلولها في عرف اللغة و معهود الشرع و هو المراد في الحديث في بيعة النبي صلى الله عليه و سلم ليلة العقبة و عند الشجرة وحيثما و رد هذا اللفظ و منه بيعة الخلفاء و منه أيمان البيعة كان الخلفاء يستحلفون على العهد و يستوعبون الأيمان كلها لذلك فسمي هذا الاستيعاب إيمان البيعة و كان الإكراه فيها أكثر و أغلب و لهذا لما أفتى مالك رضي الله عنه بسقوط يمين الإكراه أنكرها الولاة عليه و رأوها قادحةً في أيمان البيعة، و وقع ما وقع من محنة الإمام رضي الله عنه و أما البيعة المشهورة لهذا العهد فهي تحية الملوك الكسروية من تقبيل الأرض أو اليد أو الرجل أو الذيل أطلق عليها اسم البيعة التي هي العهد على الطاعة مجازاً لما كان هذا الخضوع في التحية و التزام الآداب من لوازم الطاعة و توابعها و غلب فيه حتى صارت حقيقيةً عرفيةً و استغنى بها عن مصافحة أيدي الناس التي هي الحقيقة في الأصل لما في المصافحة لكل أحد من التنزل و الابتذال المنافيين للرئاسة و صون المنصب الملوكي إلا في الأقل ممن يقصد التواضع من الملوك فيأخذ به نفسه مع خواصه و مشاهير أهل الدين من رعيته فافهم معنى البيعة في العزف فإنه أكيد على الإنسان معرفته لما يلزمه من حق سلطانه و إمامه و لا تكون أفعاله عبثاً و مجاناً و اعتبر ذلك من أفعالك مع الملوك و الله القوي العزيز.