Ibn Khaldoun - إبن خلدون
Al Muqaddima Part 21 : الفصل الثاني في أن جيل العرب في الخليقة طبيعي
الفصل الثاني في أن جيل العرب في الخليقة طبيعيقد قدمنا في الفصل قبله أن أهل البدر هم المنتحلون للمعاش الطبيعي من الفلح و القيام على الإنعام و أنهم مقتصرون على الضروري من الأقوات و الملابس و المساكن و سائر الأحوال و العوائد و مقصرون عما فوق ذلك من حاجى أو كمالي يتخذون البيوت من الشعر و الوبر أو الشجر أو من الطين و الحجارة غير منجدة إنما هو قصد الاستظلال والكن لا ما وراءه و قد يأوون إلى الغيران و الكهوف و أما أقواتهم فيتناولون بها يسيراً بعلاج أو بغير علاج البتة إلا ما مسته النار فمن كان معاشه منهم في الزراعة و القيام بالفلح كان المقام به أولى من الظعن و هؤلاء سكان المدر و القرى و الجبال و هم عامة البربر و الأعاجم و من كان معاشه في السائمة مثل الغنم و البقر فهم ظعن في الأغلب لارتياد المسارح و المياه لحيواناتهم فالتقلب في الأرض أصلح بهم و يسمون شاوية و معناه القائمون على الشاه و البقر و لا يبعدون في القفر لفقدان المسارح الطيبة و هؤلاء مثل البربر و الترك و إخوانهم من التركمان و الصقالبة و أما من كان معاشهم في الإبل فهم أكثر ظغناً و أبعد في القفر مجالاً لأن مسارح التلول و نباتها و شجرها لا يستغني بها الإبل في قوام حياتها عن مراعي الشجر بالقفر وورود مياهه الملحة و التقلب فصل الشتاء في نواحيه فراراً من أذى البرد إلى دفء هوائه و طلباً لماخض النتاج في رماله إذ الإبل أصعب الحيوان فصالاً و مخاضاً و أحوجها في ذلك إلى الدفء فاضطروا إلى إبعاد النجعة و ربما زادتهم الحامية عن التلول أيضاً فأوغلوا في القفار نفرة عن الضعة منهم فكانوا لذلك أشد الناس توحشاً و ينزلون من أهل الحواضر منزلة الوحش غير المقدور عليه و المفترس من الحيوان العجم و هؤلاء هم العرب و في معناهم ظعون البربر و زناتة بالمغرب له الأكراد و التركمان و الترك بالمشرق إلا أنا العرب أبعد نجعة و أشد بداوة لأنهم مختصون بالقيام على الإبل فقط و هؤلاء يقوموني عليها و على الشياه و البقر معها فقد تبين لك أن جيل العرب طبيعي لا بد منه في العمران و الله سبحانه و تعالى أعلم.